خاص|| بوابة سورية_ جعفر خضور
ظهرت الشرارة الأولى لنيّة التوجّه الغربي بإعادة العلاقات مع سورية بعد زلزال فبراير/2023، مع ما رافقه عندها
من انفتاح أبواب المساعدات العربيّة لدمشق، والإيحاء الغربيّ بتخفيف حدّة العقوبات؛ لتسهيل دخول المساعدات الخجولة إليها.
حينها قرأ أصحاب ذلك التوجّه ديناميكية التقارب العربيّ مع دمشق كآليةٍ لتعزيز الاستدارة الغربيّة نحوها.
اليوم، هناك تحوّلٌ حصل في الموقف الأوروبيّ حيال الدولة السورية، تحديداً قبل بضعة أشهر،
بعد دعوة 8 دول في الاتحاد الأوروبي تتقدّمها إيطاليا لتغيير سياسات “بروكسل” وآلية تعاملها مع دمشق؛
اعتماداً على مبادرة حملت اسم “اللاورقة”، أعقبها تعيين الدبلوماسي النمساوي “كريستيان بيرغر”
كمبعوث خاص للاتحاد في سورية، “بيرغر” الذي يمتلك خبرةً واسعةً في الشأن السوري،والذي جاء تعيينه
كثمرةٍ لجهود إيطاليا الدبلوماسيّة التي تعتبر محور “مناورة” تطبيع العلاقات مع دمشق.
توجهات جديدة متمايزة
في هذا الصدد، يميّز الكاتب والمحلل السياسي الدكتور أحمد الدرزي في حديثه “لبوابة سورية”،
بين التوجّهات الجديدة لدول الاتحاد الأوروبي نحو سورية قبل وبعد الحرب، ويعزو ذلك؛ لتفاوت قدرتها
ومدىٰ خضوعها للقرار الأمريكي الذي يعتمد في إدارة السياسات الداخليّة والخارجيّة للاتحاد على الفواعل الثلاثة:
بريطانيا، فرنسا، وألمانيا. لجانب دول أوروبا الشرقيّة التي كانت تستظلّ بحلف “وارسو”، والتي أصبحت،
وفق ما يراه الدرزي، أكثر تطرّفاً في معاداة روسيا، وأكثر ولاءً للولايات المتحدة، والتزاماً بالسياسات الصهيونيّة.
إيطاليا الأكثر حماساً للعلاقة مع سورية
وفي إطار التوجّه الإيطالي الذي يبدو “أكثر حماسة” – مقارنةً بأصحاب ذات الخطوة – من أجل زيادة “القدرة الدبلوماسية
للاتحاد” في إعادة تقييم العلاقات مع سورية وصياغة توصيات جديدة تبعاً للتغيّرات على الأرض، يُشير الدرزي،
إلى أنّ إيطاليا لجانب أسبانيا، وعلى الرغم من معارضتهما الضمنيّة للسياسات الأمريكيّة تجاه سورية،
ألا أنّ ذلك لم يخلق استطاعةً في مواجهة تلك السياسات.
دوافع متعددة
ويربط المحلل خطوة الاتحاد الأوروبي نحو دمشق، والقبول بتعيين ممثل مقيم لها، بجملةٍ من الأسباب المتداخلة والمتشابكة فيما بينها،
كمشكلة اللاجئين التي تأتي في مقدّمة الأسباب الدّافعة للتفكير في طرق بوّابة دمشق، فقد عمُدت بعض هذه الدول
لإحداث تغيير ديموغرافي فيها عبر تفريغها من سكانها؛ لغايات تتعدد. ما أتاح للجماعات التكفيريّة الوصول لهذه الدول
وتهديد أمنها الداخلي بعد جرائم متعددة ارتكبت فيها، وأحد أهم مصادر هذه الجماعات ممن تشكّلوا في سياق “الحرب السورية”.
ويُردف: يلعب تدهور الوضع الاقتصادي داخل دول الاتحاد الأوروبي أيضاً، دوراً أساسياً في إعادة التفكير بطريقة جديدة للتعامل مع سورية،
خصوصاً بعد الحرب في أوكرانيا، وتأثيرها على النهج الأوروبي. معللًا ذلك ببدء انكماش الاقتصاد الأوروبي الذي يشهد حالات تضخم غير مشهودة منذ 4 عقود،
ويترافق مع تدفق كبير للاجئين الأوكران الذين يحتاجون لإنفاق أكبر مقارنةً ببقية اللاجئين.
نهج جديد
حققت الجهود الإيطالية نجاحاً في إدراج سورية ضمن “النهج الجديد” لإدارة ملف الهجرة لأوروبا،
والذي كان قد أقرّه زعماء الاتحاد قبل نحو أسبوعين، بما يتطلّبه من تهيئة ظروف عودة اللاجئين الطوعية.
في هذا السياق، يرى الدرزي أن صعود التيار اليميني القومي في أوروبا بمثاله الواضح في إيطاليا
وألمانيا وفرنسا، هو حاصل للعاملين السابقين (الوضع الاقتصادي و اللاجئين).
ويضيف “هذا التيار استفاد من كوارث السياسات الخارجيّة لدوله وانعكاساتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة،
ومن بينها تدفق اللاجئين، ما يستلزم اتخاذ إجراءات أكثر صرامة للحد من تدفقهم المستمر لأوروبا
وهو ما لا يمكن إتمامه دون التعامل مع دمشق، فاستمرار وضعها القائم سيدفع بالمزيد من حالات اللجوء غير المُنضبطة
والتي قد تتزايد على خلفية حرب الإبادة “الإسرائيليّة” في فلسطين ولبنان.”
لا متغيّرات حقيقية تُجاه سورية
وعن التساؤلات المطروحة عمّا بعد هذه الخطوة، إذا ما كانت ستُسهم في متغيّرات ملموسة على الساحة السورية،
بعد توجه بروكسل للتخلي عن استراتيجيتها القائمة على “لاءات” ثلاث أهمها عدم التطبيع!
يُجيب الدكتور الدرزي: على أهمية ما جرى، فإن الواقع لا يحمل متغيّرات حقيقية تُجاه سورية؛
فالسياسات الأوروبيّة لا تنفصل عن السياسات الأمريكية و”الإسرائيلية” الحاكمة لها حتى الآن.
معتبراً، أنّ الاتحاد الأوروبي جزء أساسي من الصراع على بنية النظام الدولي، الذي يُنظَر من خلاله لسورية
كساحةِ صراعٍ مستعصية.
وإلى ذلك، ينبّه الدرزي، بضرورة إدراك دمشق لهدف التحوّل الأوروبي؛ لأنه بالأساس لحل مشكلة أوروبيّة داخليّة تتمثل بقضية اللاجئين هناك.
ويؤكد، أن ذلك لا يمنع دمشق من استثمار هذه الخطوة لفك الحصار المفروض عليها، مع الحاجة الملحاحة لسياسات
داخليّة لا تراهن على الخارج لحلها؛ لكون الشيء الوحيد الذي ينفع دمشق هو المبادرة بالإصلاح الداخلي
والاستفادة من رهان دعم المقاومة، التي جعلتها تدفع ثمناً كبيراً لا بد منه، والذي سيحمِل كل الأطراف
المحاصِرة لدمشق لأن تغيّر سياستها تجاهها، بعد أن تثمر هذه المقاومة فلسطين ولبنان، وهذا الأمر ليس ببعيد.
يُذكر أن ممثلية الأمم المتحدة في سورية، عقدت مؤتمراً صحفياً، الثلاثاء 5 نوفمبر، لإطلاق خطة << التعافي المبكر>>
في سورية والذي يعتمد في عمله على استراتيجياتٍ تقنيّة متوزّعة المهام والخطوات.