الهواء أصفر

الهواء أصفر.. والفنان بدو هيك!

خاص || بوابة سورية

حسين روماني

خلال مقابلة للمخرج الفنان سيف سبيعي توجّه بعتب كبير نحو القائمين على الحوارات، بنبرة تملؤها الجديّة تمنّى لو أن النقاش خلال لقاءاته السابقة ذهب إلى صلب الأعمال الدرامية التي أنجزها مؤخراً بأفكارها وعناصرها الإبداعية، هذه الأمنية أصبحت ضرورة ملحة في وقت باتت الشاشة أشبه بحلبة مصارعة أبطالها تصريحات الفنانين والفنانات، و “هي وهاد”.

 

في زمن بعيد خالٍ من التكنولوجيا الحديثة شاهدنا العديد من البرامج الحوارية واللقاءات ذات البعد الثقافي والفني، حتى التي تدخّلت في حياة المشاهير كانت مليئة بالاحترام لخصوصياتهم وسألت بأدبٍ فقط عن قضايا وتفاصيل إنسانية تنتظر رأي فنان مثقف أمام جمهوره، كل ذلك كان بلغة راقية وأسلوب جميل وإدارة منضبطة للحوار. فكنّا ننتظر السؤال بعد السؤال حتى نخوض مع الضيف في فنه وما قدمه، وهو في كثير من الأحيان سمح للمشاهد بالدخول إلى حدود معينة في حياته الشخصية حتى تكتمل الصورة العامة، هذا الزمن الجميل لم يكن يعلم بقدوم مصطلحات كـ “التريند” و”السوشال ميديا” وغيرها لتهدم كل ما بناه في ذائقة المشاهد، وتصبح الفضائح والاتهامات وتصفية الحسابات، بالإضافة إلى الأسئلة التي لا تحترم أعراف المجتمع ويصطاد من يطرحها في الماء العكر تصريحات “نارية” كما يصفها البعض.

 

لا مانع من الاقتراب

يرى الكاتب والصحفي وسام كنعان بأن دخول الإعلام إلى حياة الفنان أمر طبيعي، فعندما سألناه عن ذلك قال: «باعتقادي الاقتراب من الحياة الشخصية للفنان أو الدخول إلى مسائل لها علاقة بيومياته وتفاصيله الحياتية ليست مسألة محظورة على الإعلام، ولكن العبرة تأتي في الطريقة والأسلوب والمنطق الذي تقترب منه هذه الوسائل نحو المسائل الشخصية والتفاصيل اليومية للفنان، فيمكن أن تدخل بطريقة ذكية وتقارب مسائل يومية من أجل إزاحة الستار ما بين حياة الفنان وتفاصيلها وبين الجمهور الذي يحب أن يكون مطلعاً ويعرف كيف يعيش ويتمنى أن يطلع على جزئيات من حياة الفنان الشخصية»، وأضاف، «المشكلة الحقيقة تكمن في السعي المحموم وراء المشاهدات والحضور على وسائل التواصل الاجتماعي ونسب المشاهدات العالية عبر الـ”تريند” وهو حَبَل كاذب لا يمكن أن يؤدي إلى حياة بل إلى الوهم الذي يقود بشكل أو بآخر إلى الفضيحة، وهنا تأتي الفجاجة والمباشرة وحتى الاقتحام بطريقة مهينة في محاولة استدراج الفنان واستفزازه وإخراجه عن طوره لاقتناص تصريحات تثير الرأي العام والحديث عن مسائل لا تساير الحالة الرقابية المجتمعية، وهنا الغايات تبرر الوسائل، فالاعلام الفارغ والذي لا يثق بما يقدمه، يذهب إلى هذه الأماكن».

 

علاقة قائمة على الاختيار

سؤالنا لكنعان عن إشكالية العلاقة بين الفنان والإعلام أجاب عنه بأنها نتائج هذه العلاقة قائمة على الاختيار، وهي مرهونة بثقافتة وبراعة وحنكة وذكاء الفنان، وحتى قدرته على صوغ المفردات والكلام ووضع الخطوط التي يجب ألا يتجاوزها الإعلام وعن ذلك قال: «اختيار الفنان للمحاور والمذيع الحقيقي، الذكي والمثقف، الواثق من امكانياته والمتكلم الذي يستطيع أن يطرح سؤاله بوضوح ويقول رأيه بجرأة دون أن يذهب إلى الـ”فضائحية” والتحايل والمراوغة، أو يلهث بشكل محموم وراء التصريحات الرنانة الفارغة الخاوية التي لا تقدم أي شيء إلا أنها تصنع الفضائح بساعات معدودة ومن ثم تختفي بالمطلق، يسمح له بتجاوز أكثر من نصف الطريق باتجاه الخيار الصحيح»، وأضاف، «عندما يختار الفنان الأشخاص الذين يتحاور معهم ويتبادل معهم الأفكار والمعلومات والمعطيات بعناية فهو في مأمن، فيجلس ويتحدث معهم لساعات عن خصوصياته ويومياته عن بعد أن يكون اطلع على ثقافتهم وعقلانيتهم وسعيهم نحو مادة صحفية حقيقية، ومن الممكن الحديث عن هذه التفاصيل إذا للاستفادة ولإغناء التجربة ولاستلهام عبرة من مسائل معينة خاصة، ليرى الجمهور كيف ان هذه الدرب فيها عثرات ومشكلات ومسائل استطاع هذا الفنان التغلب عليها».

 

الصحافة الصفراء.. براءة الذئب

استفاض الصحفي وسام كنعان بالشرح عن مصطلح الصحافة الصفراء، فهي صحافة العنوان الرنان الذي ربما يحوي معلومة ليست متواجدة في مضمون النص، كانت سائدة في الولايات المتحدة الأمريكية بفترة من الفترات وساعدت المجتمع الأمريكي والحكومة هناك على تجاوز فترة من الضغوطات، ويضيف: «الصحافة الصفراء بمفهومها وجوهرها لم تكن يوماً مؤذية، هي تريد أن تخدم قضية وسياسة ورأس مال معين، بطريقة تحمل الإيهام للقارئ بوجود أشياء معينة في النص وبالتالي تروج وتدعم مسألة ليست بالضرورة موجودة بأهداف ربما تكون سياسية كبيرة، لاحقاً تم تقزيم هذا النوع إلى أماكن مهينة وسلبية أقرب إلى الفضائحية التي لا تمت للصحافة الصفراء بصلة في الجوهر».

 

من الجاني؟

 

أخيراً، لامس وسام الجرح بذاته فتحدث عن الحالة العامة لهذه البرامج: «مذيعة تخرج لتسأل الضيف ما هي معتقداتك بماذا تؤمن، هل أنت مع المثلية أو ضدها، هل تؤمن بوجود الله، هذا عبارة عن خواء وانحطاط وفراغ مطلق، شخص تسير به قافلة العمر ولا يستطيع أن يكون حاضراً بثقافته وتفرده يحاول أن يثبت تواجده من خلال هذا الانحطاط والانحدار والسخف والتقفي والغرق في الوحل، فالمعتقدات والجوانب الشخصية لا تفيد الآخر نهائياً ولا يمكن المساس بها، فهي مسائل حساسة للحد الأقصى»، ويختم بالقول: «هذه الحالة كرستها مذيعة محددة وللأسف هي نموذج للانحطاط بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وهي مثال بالغ التأثير حول الانحدار الإعلامي واللهاث الحقيقي وراء المسائل المهينة ومحاولة استدراج الفنان ليكون دريئة كي يحقق البرنامج الحضور ويعمر على أساس الفضائح والتصريحات المثيرة الخاوية بالمطلق، التي يحاول هذا النوع من الإعلام استدراج الضيف إليها».

 

تابعونا على الشبكات الاجتماعية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *